يوبيل شربل بعيني الفضي

    سعادة سفير لبنان الدكتور لطيف ابو الحسن الغائب الحاضر الذي يرعى أدب العربية وأدباءها في المهجر الأسترالي.
   الصديق القديم المتجدد شاعر الغربة الطويلة شربل بعيني.
   فضيلة الإمام تاج ادين الهلالي السامي الاحترام.
    سيادة المطران يوسف حتي السامي الاحترام.
   معشر الثقافة والأدب والكلمة الحرة الأبية.
   أيها الحفل الكريم.
   إنها تجربة متواضعة على خشبة مرسح الحياة الواسع الضيّق معاً، ورغم ذلك فقد أوحت لي كواحد من أبناء الجالية البعيدة عن أوطانها، التي تبحث عن متنفّس للعيس والحرية، إن الحياة فعلاً وقفة عز، وان شجرة الانسانية الباسقة لن تزهر، ولن تثمر، بغير وجود أولئك المكافحين الذين هم بالنسبة إليها بمثابة الروح للجسد، والملح الذي يدخل كل شيء ليعطيه نكهة ومذاقاً ومعنى.
   والصديق الرفيق والحبيب شربل بعيني، الذي نقاسمه غربته الطويلة، هو واحد من هذه الطينة الضاربة في صخر الايام، معولها الكلمة، ورفشها الأخلاق، نحو انسانية أشمل وأعمق، لا رتوش فيها ولا تزيين، لا شريعة غاب يأكل فيها القوي الضعيف، ولا صحارى تنهش فيها لحم الضحية الصقور والضباع.
   نعم، لقد عرفت شربل بعيني منذ وصولي الى هذا البلد المتحضّر، أي منذ ستة عشر عاماً تقريباً. عرفته وقرأته، ومنذ اللقاء الأول تكشّفت الماسة حياته بكل لمعانها وصفائها.. طفل شبّ وكبر دون أن يتخلّى لحظة عن ملائكية الأطفال فيه، وثائر محرّض على كل متخثـّر وبالٍ، دون أن يفقد الخيط الفاصل بين الثورة والفوضى.
   ومنذ اللقاء الأول أيضاً، لم يحد شربل عن صراط الأخلاق الرفيعة، صراط الناجين كل في موقعه، الفنان، الرسام، الشاعر، الأديب، الدبلوماسي، السياسي، رجل الدين والدنيا. وقد نسمع حديثاً لا نفهمه عن فصل الأخلاق في مجالات ثقافية، سياسية وعلمية، ولكن الحقيقة تأبى إلا أن تبقى.  
   لا شيء بدون أخلاق، التي جوهرها القول والفعل، لا الكذب والرياء، واضمار شيء، واظهار خلافه. 
   وهل شغل الناس وملأ الدنيا شاعر العرب الأول أبو الطيّب المتنبي بشعره العظيم وحسب، أم بثورته وارتباط قوله بفعله.
   وهل شغل الناس وملأ الدنيا الزعيم الهندي الراحل مهاتما غاندي بحنكته ودرايته السياسية، أم بأخلاقه السامية، وارتباط قوله بفعله.
   وهل كان محمد والمسيح، عليهما السلام، ليُحَمّلا كلمة ربّهما لو لم يُعرفا بأمانتهما، ومحبتهما، وقولهما وفعلهما في آن.
   الأمثلة كثيرة، لكني في يوم صديقي الأغر، لا بدّ من الإعلان أنّي لم أقرأ له يوماً، ولم أسمع عنه انه انغمس في دورة الأحقاد المتبادلة، التي دوّخت بلده الأم، وأذهلته عن نفسه، كأنه في لجّة اليوم العظيم.
   ولم أقرأ له يوماً، ولم أسمع عنه انه تفتـّت أمام صخرة غربته الطويلة، أو سقط في محيط الكآبة والأحزان، كان دائماً هو هو، وما يزال شعلة وفاء، قريباً من أصدقائه، وفياً لهم، معتصماً بقلبه، محباً للجميع.
   هل أنا أمام أخلاق شربل بعيني في مناسبة تكريمه لمضي خمس وعشرين سنة على صدور ديوانه الأول "مراهقة"، أم يفترض بي أن أتحدّث عن الشعر في أعمال الشاعر بعيني، الذي دخل اسمه قلوب المهاجرين قبل بيوتهم، كإنسان مرهف حساس، أعطى وما زال يعد بالكثير.
   الحقيقة، لا فرق بالنسبة لي، أخلاقه وشعره قصيدة واحدة، لم يفرّط بوحدتهما، وربما عندي أن الأخلاق في المقام الأول، أرفع شأواً، وأشفّ من أي قصيدة كتبها، أو يمكن أن يكتبها شاعر.
   وفي يوبيله الفضي، الذي هو مناسبة لتكريم الشعر والشاعر والأخلاق الرفيعة، هذه الأقانيم الثلاثة الموحدة، ليست أقل من أن أحيي الشاعر المحبوب، وأن أقول له باسمي وباسمكم: ألف مبروك. وبمثله نعتز ونفتخر. وشكراً لكم.
يوبيل شربل بعيني الفضي 1993
**