ملاحظات سريعة حول الشاعر شربل بعيني

     بعد قصيدته "لعنة اللـه علينا"، وبعد ندوة رابطة إحياء التراث العربي الأخيرة، تضاربت الأقوال في شعر شربل بعيني، وفي مصادره ومراميه. فقائل بيمنيّته وانهزاميّته، وقائل بيساريّته وثوريّته، وقائل بعدميّته وفوضويّته، وإلى ما شاكل.
   الثابت الوحيد، وهو لا شكّ فيه، أن الحرب قد أدمت الشاعر بويلاتها وأهوالها، وربما أصابت به الناس في عيالهم، وأرزاقهم، وأمنهم، وسلامهم، ووحدة وطنهم. ثـم ان الحرب قد أتت أيضاً على ما تبقّى من سعادة بني وطنه، ورغد عيشهم من جهة، وأوصدت الأبواب كليّاً بوجه المغتربين منهم، الذين يودّون العودة حنيناً إلى تراب البلاد، بعد هجرة وتهجير قسريين. والحال هذه، فإن الشاعر أراد أن يكون مرآة عاكسة وحسب لآلام هذا الشعب وعذاباته، فما كان منه إلاّ أن صرخ، وأول ما صرخ: أوقفوا هذه الحرب. وما كان منه إلاّ أن لعن، وأول ما لعن الحرب. وما كان منه إلاّ أن استنكر بشدة، وأول ما استنكر أن يقسّم الوطن ويجزّأ بين قبيلتين أو أكثر.
    في عرفنا ان القوى المذهبية الطائفية الانعزالية والمرتبطة بقوى خارجية، وبالتحديد اسرائيل، هي السبب في خراب البصرة، واشعال نار الحرب، وهي اول من اوقدها في الثالث عشر من نيسان العام 1975، وبالتالي فهي المسؤولة عن استمرارية الحرب الاهلية وكل مفاعيلها في اهدار ارواح كثيرة، وخراب بيوت عامرة، وتدمير نفوس بريئة، وتقسيمات جغرافية بين شرقية وغربية.
  من هذه الناحية، فإن غضبة شربل بعيني، ودعوته للكف عن الحرب والقتال، غضبة ودعوة إيجابية بعينها، فليس منّا من دعا إلى الحرب واحتكم للعنف، وليس منّا من ناصر شريعة الغاب، وليس منّا من لا يسعى لوقف هذه المجزرة، بعدما تفاقمت نيران الحرب، وتحوّلت في اتجاهاتها لتصير حرباً طائفيّة بامتياز بعدما كانت حرباً دموية من قوى يمينية متخلفة على قوى ديمقراطية علمانية تحمل لواء وحدة الوطن أرضاً وشعباً.
   غلطة شربل بعيني انه لم يستطع بعد ان يرى الجهة التي وقفت وراء الحرب، ودعت اليها تحت مختلف الحجج، لا بل الجهة التي تحتفل بيوم شرارة الحرب الاولى "13 نيسان عام 1975" على اعتبار هذا اليوم المشؤوم يوم بدء تحرير لبنان من الغرباء واليسار الدولي.
   وغلطة شربل بعيني انه لم يقدر حقيقة اليسار اللبناني ومطالبه العادلة بالاصلاح الديمقراطي في نظام متعفّن، متكلّس، كان سبب تهجيره شخصياً ودفعه الى الاغتراب هرباً من المحسوبية والرشاوى والفساد الاخلاقي والاداري.
   وأيضاً غلطة شربل بعيني انه لم يميز بعد بين القوى الديمقراطية العلمانية التي تجسّد بمشارعها وشعاراتها ما يطمح له هو ويتمناه، وبين القوى السياسية الطائفية المذهبية او الموسومة طائفياً في الساحة اللبنانية.
   لكل ذلك، واسباب اخرى حساسة جداً، فان شربل بعيني ضاع في لحظة غياب التمييز الواعي بين قوى الصراع، فاعتصم الى عقله الباطني برفض الحرب بالمطلق، ناقماً على الجميع، ولاعناً الجميع، ولم يدارِ لا اليمين ولا اليسار، وفي هذا الاطار شكّل شربل بعيني حياداً لذاته يمكن ان يوسم بالحياد الايجابي لجهة رفضه للحرب واستمراريتها بالذات.
   في هذه العجالة، يمكن الردّ على منتقدي بعيني العفويين، ويمكن القول بضرورة الأخذ بيده، فيرقى بشعره شكلاً ومضموناً، ومساعدته على تمزيق الغيوم الكثيرة المتلبّدة حول عالمه الخاص، ورائدنا بذلك قولنا: أن نضيء شمعة خير من أن نلعن الظلام.
النهضة، 25 أيلول 1986
**