كلمة في ندوة حول أدب شربل بعيني

    أيتها السيدات، أيها السادة..
     سلام عليكم ورحمة من رب العالمين..
   يسر رابطة إحياء التراث العربي أن تلتقي بكم مجدداً عبر سلسلة ندواتها الأدبية، فتقدّم لكم في كل ندوة، أو أمسية، أديباً أو شاعراً، والأمل يحدوها للارتقاء بمستوى الكتابة العربية في المهجر الاسترالي الى مستوى من نبغوا من اللبنانيين خاصة، والعرب عامة، في العديد من بلاد الاغتراب، فساهموا مساهمة غنية وجادة في تطور ونمو اللغة العربية وآدابها منذ عصر النهضة حتى اليوم.
   وإذ يكون محور ندوة اليوم شاعراً معتبراً، طالما قرأتم أشعاره في الصحف المحليّة، فإن رابطة إحياء التراث العربي يهمها أن تؤكد على شاعرية شربل بعيني، ورهافة حسّه، وموهبته الأصلية ، وقدرته الكبيرة على استنطاق ما لا يستنطق، واسترجاع الماضي صوراً حيّة تحاكي الحاضر، فتودعه كنوزها وحكمتها وعبرتها، كما وتؤكد على أن الشاعر يعيش حقاً حاضره بالتمام، وحاضر بلاده كلها، ومأساة أبناء جلدته المتعاقبة منذ العام 1975 حتى اللحظة.
   المأساة لم تتوقّف على فقد عشرات الألوف من الضحايا البريئة، وتشويه أضعاف عشرات الآلاف بالعاهات المستديمة، من مقطوعي الأيدي، ومبتوري الأرجل. ولم تتوقف عند دمار وخراب مدن وقرى كثيرة، ومؤسسات حيوية عديدة، صناعية وتجارية، ومرافق حكومية، بل تعدّتها لتدمر نفوساً، ولتأتي على مستقبل الكثيرين في العلم والمعرفة.
   من قلب المأساة، ومن وسط هذا الاعصار الذي يعصف في البلاد، استطاع شربل بعيني أن ينتشل مادته الشعرية، ويصبغ عليها بعضاً من أنفاسه الحارة، وروحه الطيبة، فأثّر وتأثّر، وحزن وأحزن، وثار وثوّر، فكانت كلمته ناراً على أسّ البلاء، وعلى مؤججيه من زعامات ليست بزعامات، ورجال هم أشباه رجال، وقيادات سادية تنتشي من عذابات الآخرين، وعصابات مسلحة في ثياب دين، وليست من الدين بشيء، وفي بذّات عسكرية ليس همّها إلا أن تحاكي وتناجي وتناغي أعداء بلادها بالقتل والنهب والسلب والتدمير.
   من قلب هذه العاصفة الهوجاء أيضاً، استطاع شربل بعيني أن يجعل من كلمته نوراً يضيء قنواتنا الى الحياة، وطريقنا إلى المستقبل، فشيع لدينا الأمل أن الباطل مهزوم لا محالة، وأن النصر حليف الجماهير، كل الجماهير المنكوبة بعيالها، وأرزاقها، وكرامتها قرُب اليوم أو بعُد.
   وإذ نفتتح ندوتنا الثقافية الليلة بكلمة إطراء وترحيب من مثقف ومؤسس في رابطة إحياء التراث العربي، عنيت به السيد إيلي ناصيف، فإننا نطمح لأن تقضوا معنا سويعات متميّزة بعطائها، وثمرها، حول شاعر الغربة الطويلة الانسان شربل بعيني.
صوت المغترب، العدد 903، 18/9/1986
**